الخميس، 28 يونيو 2012

مشهد بحاجة إلى تأمل


مشهد يأخذ بلباب القلوب


بساط أخضر تحفه ألوان الأزهار الندية, تعلوها حجارةٌ كريمةٌ ترسم تبايناً ماتِعاً, يظلل ذلك كله غصن شجرة وارفة الظلال..يانعة الأغصان..متفردة في الأبهة والجاه إلا من سماء زرقاء مطليةٍ بشيءٍ من ألوان الغيوم الهاربة من نور الأرض إلى عتمة الفضاء.


يخترق إطار المشهد عصفورٌ شارد الذهن يبدو كصقرٍ هربت منه فريسته, تجده يعبث بخضرة البساط .. ينقر بعض أزهارٍ علّها تعطيه شيئاً من بهائها يغطي بها سوءة لونه القاتم.


تدلف من جانب آخر فراشةٌ لولا حرارة الشمس تظنها رقاقة ثلجٍ تترنح في الهواء, تتخير أحسن الزهور وأبهاها تقف عليها تطمئن على أحوالها, فلا تتركها إلا وقد ازدادت بهاءً وحسن منظر.



وبتطفل غير محسوب العواقب تتطفل ذبابةٌ طردتها كومة قمامة من بعيد, تتنقل في الصورة عاكسةً سواد الليل تطردها الجمادات قبل قبيحات الأحياء وجميلاتها, فلا تنال من الحسن شيئاً.




(العصفور والفراشة والذبابة) ثلاثتهم اخترق إطار المشهد معلنين المغادرة ..
أما أنا بقيت أرقب ضيفاً جديداً.. بينما ذهني لا يزال يرسم صورة عن كل ما جرى ..


الثلاثاء، 29 مايو 2012

كتــــــــــــــــاب

كتــــــــــــــــاب

وقع بين يدي كتاب ..
كتابٌ ذو غلاف أسود ..
استقبلته مرحباً ..
نفضت الغبار عن الغلاف ..
فتحت الكتاب .. فإذا بصفحات بيضاء ..
صفحات رأيت فيها صفاء قلوبنا حينما كنا صغاراً نحبو, ثم ما لبثنا نجري نصارع لسكب السواد على بياض قلوبنا الدافئة.
رأيت فيها البسمة واليقين ..
رأيت فيها الضياء والأمل ..
رأيت فيها الإخلاص ..



أمعنت النظر فإذا نصوص متلونة بألوان الدنيا التي لا تنتهي ..
ألوان رأيت فيها ترف الحياة ..
زرقة السماء ..
خضرة الحقل ..
صفرة الصحراء..
حمرة الخدود الحيية ..
وأموراً لا تنتهي ..
مضت ساعاتٌ في برهة ..
قلبت الصفحة تلو الأخرى .. حتى آخر صفحة ..
قلبتها فضايقني سواد الغلاف بعد كل تلك الألوان الصاخبة ..
إلا أني تذكرت واجهته السوداء ..
فأدركت أني أمام كتاب الحياة ..

فهلا تفتح كتاب الحياة ذي الكتاب الأسود ..
فصفحاته بيضاء .. ونصوصه ملونة ..
يرى كل منا فيها ما يشاء ..

أرى فيها التفاؤل ..


فماذا ترى فيها أنت ؟؟!

الخميس، 17 مايو 2012

طيفٌ يراودُني


طيفٌ يراودُني

طارت نملة وحلقت في سماء الفرح والسعادة, فقد خرجت من نفق الأهوال المظلم إلى نور الحياة الفسيح.

ذاك النفق حفرته لتستعين به وقت الأزمات فإذا بورقة شجرةٍ ذابلة تسد النور وتكاد تحيل أمل نملتنا في الحياة إلى الجحيم .



هذه النملة ليست عادية, فقد ضبطها قسم الأمن القومي بضاحية النفق الثامن في يدها ورق التوت زعموا أن عليه مخطط أنفاق يصل إلى القصر الملكي.
لم تعرف هي كيف خرجت من السجن بريئة بعدما استأسد كبير محامي بلد الصرصار يدافع عن حق المسكينة.
دخلت نملة وخرجت نملة لم يتغير فيها شيء سوى بعض الخبرة .
في نظرها كان ذاك النفق سجناً, ولكنها استطاعت الخروج منه بفضل الخبرة .

عندما ملأ النور عيونها وفاض , لمحت بجوارها حجراً أصماً يرقد على طرف نملة تبدو قادمةً من ضاحية النفق الأرضي, ولذلك لم تعرف أن الحجر يضر ولا ينفع .


لم تجد نملتنا حرجاً في دفع الضر وفعل الخير, جلبت عوداً جففته أشعة حقد البشر, وضعته بين التراب والحجر, وراحت بكل قوة تزيل الضرر..
 لكن .. تحول الحجر من نملة النفق الأرضي إلى نملتنا لتحيلها رماداً دونما احتراق.




بكت عليها نملة النفق, وصلت عليها صلاة الوداع.
رحلت نملتنا ..

لكن طيفها يتجلى على صفحة كوب قهوتي كل صباح..

الأربعاء، 9 مايو 2012

النكبة عندنا نكبتان..


النكبة عندنا نكبتان..


في ذكرى النكبة الفلسطينية "15-5-1948م", بدأت أسأل من أقابل عن تاريخ النكبة والبلدة الأصلية و بعض معلومات عن حق العودة وفلسطين ...
فكانت الإجابات عجباً عجاب :

طالب في الثانوية سألته عن تاريخ النكبة فأجاب أنها عام سنة (48 فقط) أما المساحة فتركها لمن يريد أن يعرف ثم تهرب من الإجابة على باقي الأسئلة وغيّر الموضوع .
وآخر سألته عن بلدته الأصلية  قال إنها يافا و تقع في (الضفة الغربية), وثالث يعرّف حق العودة بأنه الرجوع بعد عودة العودة , ورابع في الإعدادية لا يعرف إلا أن النكبة في 1900 فقط ...
وعندما سألت طالباً آخر عن مساحة فلسطين فأجاب أنها (3650م ) أو قريباً من ذلك فصححها زميله بأنها 2700كم فأجبته بأنها 27 ألف و27 كم .
والأعجب من ذلك أنهم ينكرون دور المدرسة في تعريفهم بأرضهم وبلادهم المهجرة, سوى بعض مدرسي المواد الاجتماعية .

 فأين الخلل ؟؟!


هل من الطلاب أنفسهم الذين لا يقرأون وإن قرأوا لا يفهمون , وينتظرون آخر يوم في الامتحانات حتى يمزقوا كتبهم ومذكراتهم الدراسية ؟
أم من المدارس التي لا تهتم سوى بالزي المدرسي أو قصة الشعر وعدم وضع الطلاب للجل والتأكد من عدم اصطحاب الطالبات لجوالاتهن إلى المدرسة – رغم أنها أمور تربوية لا أنكرها- ؟
أم من أولياء الأمور الذين لا يكادون يستطيعون توفير قوت أولادهم إضافة لانشغالهم بأمور أخرى بعيداً عن تربية أبنائهم على حب الوطن وألحان العودة ؟
أم من وسائل الإعلام المحلية التي لا تعرف سوى التناطح وتراشق الاتهامات واستعراض العضلات المفتولة بعيداً عن تدعيم حق العودة في نفوس المواطنين وإن كانت هناك مبادرات لذلك فهي لا تصل لمستوى التأثير.
أم من المؤسسات الرسمية المنشغلة بهمومها الداخلية وسعي بعضها لترسيخ الانقسام وإلهاء المواطنين بالراتب والوظائف عن الهدف الأسمى لحياة الفلسطيني وهو تحرير الأرض ؟
أم هو الاحتلال الذي أصبح الشماعة الأولى والأخيرة التي نعلق عليها كل شيء قبيح لنتهرب من انتقاد الذات والاعتراف بالتقصير ؟؟

لا أنكر أن هناك جهوداً مباركة يسهم فيها كل من هو وطني يحن لأرضه ويصبو لأن يطأ هو أو أحفاده أرض بلاده وأن تتحرر من دنس الغاصبين ولكنها جهود فردية لا تحقق الأثر المطلوب لتواصل نبض العودة في قلوب اللاجئين ..

إن مهمة الحفاظ على نبض أجيال العودة إلى فلسطين هي مهمة مقدسة لا تلقى فيها المسؤولية على فئة دون غيرها ..

بل هناك حاجة ماسة لتضافر الجهود الرسمية والأهلية والشعبية والمجتمعية لتنظيم الصفوف والعمل ضمن آليات ومخططات معد لها ومنظمة للتحقيق انتماء الأجيال القادمة لأرضهم ووطنهم ..

فكيف لمن لا يعرف عن بلده شيئاً ، أن يحرره وهو لا يعرف الطريق إليه ؟؟!

الأربعاء، 25 أبريل 2012

رفقــة لــم تـــدم


رفقــة لــم تـــدم






هو صديقي منذ الأزل, لم أتخاصم معه يوماً, لا يفشي سراً أبداً, لا يبغض, لا يحسد, بل دائماً يبثُّ فيّ التفاؤل ويعكس على قلبي صفحة الحياة الصافية.
انتظره كل مساء, تحت قبة السماء, نلتقي نتبادل الغمزات والضحكات, والروايات والأحداث, كم أكون سعيداً وهو يصغي إليّ دون مقاطعة, كم أود أن أسأله يوماً من أين تعلم أدب الحديث؟ ومن أين اكتسب الرونق الأصيل والخلق الدمث؟
عجباً له من صديق..
ولكن فيه طبعاً لا أدري أذم هو أو مدح؟ فتارةً يطلّ عليّ بكامل بهائه, وأخرى يحرمني من بعضه, وأحياناً يتخلف عني .
مع الزمن بدأت أشك بعزم صداقته .
كيف يتركني وحيداً وقد تعاهدنا ألا نفترق؟!
لبثت أياماً حائراً, أقلب كفاً بكف, أدور في حيص بيص: 

هل أعامله بالمثل ؟ هل أغفر له؟ أم ماذا ؟

بعد مدة عاد على عجل .

أتخلف عهدنا يا صديق ؟!
أنسيت الأيام الخوالي, ألم أكن نعم الرفيق؟!
كيف تصادق جفو الصديق؟

ابتسم وقال لي:

لا تحزن, فأنا على الود باقٍ, ولماء المحبة ساقٍ, ولكن قوماً أطالوا الأمل, أساؤوا العمل, أطل عليهم .. تقر المقل, وأرضى بهم رفقة فترة, ثم أروى لهم زهرةً, وأضيء لهم حارةً, وأشياء أخرى دعْها بسر الغيب,
يا صديق كم هنئنا معاً وسرنا معاً درب الطريق؟
هالني ما سمعت .. علمت أنه أراد الرحيل.
لم استطع منعه, رغم عهدي معه.

انطلق في طريق وأنا في طريق.

مضى الزمن, أصبحنا نلتقي عند مفترق الطرق, نراجع بعض الذكريات الجميلة وننسى سبب الفراق, ثم نلتقي ثانية.


هكذا تدور الحياة مع صديقي القمر .

صديقي القمر ..

رفقة العمر لا تضاهيها رفقة, رغم البعد والجفاء .



السبت، 7 أبريل 2012

أصـــداء شــمعــة

أصـــداء شــمعــة

شاهد الفيديو :


لا شيء سوى السواد, أرى كل شيء بأدق التفاصيل, ولكن باللون الأسود, جدران سوداء, أبواب سوداء, رمال سوداء, وملامح سوداء, حتى الصمت الذي يعقب صوت صراخي أسود.
اللون الواحد, لم أعتد على هذا, فدائماً أرى الأشياء بعدد لا محدود من الألوان, فلماذا هذا العذاب؟
رأيت أن أتوقف عن الصراخ, علّني أستشف شيئاً مما حولي, وقفت على شرفة الرهبة, تنسمت الصمت, حدقت في أسوار الخوف, حتى تسلل ذلك الحفيف الخافت إلى أذني, لا أدري لماذا ظننته كصوت الأشجار التي اعتدت سماعه حين أطل من نافذتي كل صباح, يصاحبه زقزقة عصافير غادية للرزق.
حبست الأنفاس لأتأكد من ذاك الصوت, إنه يدنو مني, شيئاً فشيئاً طغى صوت العويل والنحيب يتردد صداه بعدما اصطدم بحائط الظلام, لا أدري لماذا حافظ ذاك الصوت على مسافة ليست بالبعيدة مني, ولكن في الوقت ذاته ليست بالقريبة أيضاً.
يكاد يقتلني القلق وهو واضع نصله الماضي على عنقي, من هذا؟ ولماذا هذا الصراخ؟ ومتى سينتهي؟ من الفاعل؟ ومن المفعول؟
قلّبت الرمل المتناثر بين يديّ, لاك لساني تمتماتٍ غريبة الأطوار, وأموراً غير مفهومة لأخفف من وقع ذلك الصوت.
ههها .. نعم .. صوته جميل ..  ولكن الثاني حنجرته ذهبية  ..  كلا, أخالفك الرأي فالثالث أندى صوتاً
تلك الأصوات من الجهة المقابلة داهمت تمتمات لساني المتلعثمة, هستيريا أصابتني, أين أنا؟
أخالني غارقاً حتى النخاع في بحر الغموض.
لم يدم هذا طويلاً, يدٌ امتدت فانتشلتني, ويدٌ أخرى وضعت شمعة, عودُ ثقابٍ أطلق شرارة الأمل في قلبي, وأضاء تلك الشمعة التي توسطت هاتيك اليدين.
نور خافت, قليلٌ من الألوان, تأملت المكان, النوافذ, الأبواب, الجدران, والأثاث, وقبل ذلك كله ذلك الوجه الذي تحاكي عيناه البدر تألقاً.
تنهدت أخيراً, وانزاح نصل القلق عن عنقي, زالت مخاوفي وشكوكي, فقد تأكدت أني كنت ولا أزال : في غزة .

الاثنين، 2 أبريل 2012

العالـِـــــم " IF "


رجاءً .. لا تقرأ هذه القصة
العالـِـــــم " IF "


جميعنا في حياتنا التعليمية وقفنا أثناء دراستنا للغة الإنجليزية على قواعد IF الشرطية وعرفنا أنها أربعة من القواعد لم نفهم مغزاها معظمنا .
لكن حديثي ليس عن فهمنا للقواعد هذه بل عن أصل التسمية .
لم نكن على قيد الحياة في القرن السابع عشر الميلادي وذلك الشاب اليافع IF يحمل على ظهره حقيبة تظنها من حجمها مئونة عام في أحد أزقة مقاطعة مانشستر البريطانية .
ولكن لماذا يحمل هذه الحقيبة الضخمة ؟
على كلٍ وقبل أن نعرف لماذا .. لا بدّ وأن نشفق على IF الذي لم يسعفه هذا الحمل الثقيل في تلقي عربة النقل التي هاج حصانها على سائقه فكانت سبباً في نهايته ونهاية IF معاً .
لفظ IF أنفاسه الأخيرة في البيمارستان الواقع مقابل المعهد الذي كان يدرس فيه .
ولكن من هو IF ؟؟
ولماذا أتحدث عنه ؟؟
بين أربعة جدران من الطوب وسقف هرمي من القش عاش IF لأبٍ وأمٍ فقرين لا يكادان يستطيعان توفير قوت يومهم فضلاً عن توفير أثمان الكتب ورسوم الدراسة لابنهم , الأمر الذي حذا به للعمل والدراسة في آن واحد .
لم يكن IF مسروراً كثيراً وهو يرى أقرانه يهربون من تعلم لغتهم الأم ولكنهم محقون في تهربهم فالشروح أقرب للهيروغليفية منها للإنجليزية .
قرر IF أن يعتزل في بيته , جمع كل ما يتعلق باللغة من كتب ومخطوطات وأوراق وغاص في بحورها , عازماً ألا يطبق جفناه على بعضهما حتى ينتهي من وضع منهج كامل سهل ميسر يفهمه الجاهل قبل العالم .
بدأ يوماً بيوم يضع في كل يوم قاعدة من القواعد ويرقمها بحسب اليوم.
بدأ بالقاعدة الصفرية بشروحها وتفصيلاتها ثم الأولى والثانية وهكذا ..
استمر الجهد وعمره ينقضي حتى انقضى منه 305 يوماً أنجز فيها 305 قاعدة رأى أنها كافية لتضع للغة حقها وتوفيها مقدارها .
رغم أنه لم ينم يوماً واحد منذ بدأ انطلق يكمل المشوار , حمل تلك القواعد والأوراق في تلكم الحقيبة التي حدثتكم عنها في البداية ..
فكانت تلك نهايته ..
ولكن علمه أسعفه , فـ 305 قواعد أصبحت أساس اللغة الإنجليزية حتى أيامنا هذه , ورغم تغير الأسماء إلا أن التاريخ خلد ذكره ووضعت أربع قواعد تخلد ذكر هذا الشاب المناضل المكافح IF ..
فهل يمكن أن يكون أحدنا مثله ؟؟
ملاحظة :
If you think this story is the fact that you are completely wrong ..
إذا كنت تظن أن هذه القصة حقيقة فأنت مخطئ تمامًا
فما هذه القصة إلا من نسج خيالي ..
الإنسان لا يجب أن يصدق كل ما يسمعه وإن كان هدفه شريفاً والموضوع المطروح منطقياً ..
فالذين كانوا يضعون الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون أنهم يكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عليه .. خسئوا وخابوا ..
مجرد شرارة أطلقها في ذهنك واجعلها في بالك .. قدر المستطاع ..

الأربعاء، 21 مارس 2012

بعد تـــــــــأمُّــل


بعد تـــــــــأمُّــل


استجمع شادي قواه عصر أحد الأيام, نهض من مقعده مُصدراً صريراً كصرير باب منزله المتهالك, توجه قاطعاً الرواق المعتم إلى غرفةٍ عارية السقف, كشف عن كنزه الثمين, وضَّبه ونظّفه, حقنه بالذهب الأسود, ثم استجمع قواه ثانية, ليس ليقوم هو, بل ليجعل المولد يقوم بدوره في رفد أوردة المنزل بما يسمى "بالكهرباء" .
مسكين شادي, فالمولد جَعجَع دون طحين يظهر, إذن المولد تالف ولا كهرباء .

جيد.. لا بأس.. وتمتمات غير مفهومة صاحبت خطواته المتثاقلة التي انتهت عند سريره القديم, استلقى على ظهره, وجعل يخاطب مروحة السقف المغبرة التي لم يحن موعدها بعد, فالبرد لا يزال طاغياً على الأجواء, ثلاثةُ أيادٍ يحركها قلبٌ ساحرٌ شرير فلا يتراءى له سوى دائرة من الجحيم, هكذا رآها, ومع ذلك جلس يخاطبها, ربما لم يجد أودع منها في عالمه ذاك.
أتذكرين يوم كنا في هذه الغرفة ثلاثة ؟
كانت أياماً حلوة.
آه يا مروحتي كم يوماً مرّ وأخي حمزة قد غادرنا للأبد إلى روضة وارفة الظلال, لا يحتاج فيها إلى الكهرباء اللعينة .
قطعت جعجعةُ مولد جاره أبي قاسم حواره ذي الشجون, دار دورتين يتيمتين ليتوقف المولد بعدها ربما تضامناً مع مولدات جيرانه.
تباً لهذه الحال,هل سأقضي بقية عمري أضربُ أخماساً في أسداس؟
إلى متى أفكر في الكهرباء والماء والدواء؟
أخي قتلوه.
أبي تركنا منذ زمن.
أمي .. آه .. نعم أمي, أتذَكر بسماتها المتألقة قبل أن يصرعها المرض, رحمها الله .
قال ذلك وهو يتأمل جرة الماء الخزفية مكسورة الطرف بعد أن أشاح وجهه عن مروحة السقف .
لوهلةٍ ظنها تراقبه, دقق النظر أكثر ..
نملة قاتمة السواد, شاخصة ببصرها محدقة, ليس فيه ولكن في الجرة, قطع ذلك الشخوص دبيب أرجلها الواثقة متوجهة نحو الهدف, صعدت ثم انزلقت.


لم يتعب شادي وهو يتابع بنظراته النملة التي لم تكلّ رغم المحاولات المتكررة.
في نهاية المطاف وصلت النملة لبغيتها, رغم أنها غرقت في تهلُكَة الجرة .
أما شادي فقد قرر أن يتوقف عن مخاطبة مروحة السقف وتأمل السواكن من الأشياء, فقد تعلم في هذا اليوم ما هو أفضل من ذلك بكثير .